
هل يُعقل أن تتحول مدارس سوريا التي كانت نموذجا في الانتماء الوطني في زمن النظام السابق بعيدا الى زنازين لسجن الطلاب على خلفية انتماءهم المذهبي والطائفي في زمن “سلطة الجولاني الثورية”؟
قد يستغرب البعض هذا السؤال لكن الجواب يأتي من خلال كشف ما حدث في قلب العاصمة السورية دمشق وتحديدًا في مساكن الزهريات، حيث وقعت حادثة مؤلمة داخل مدرسة محمود شحادة، بعد تعرّض طالب من الطائفة العلوية لاعتداء جسدي ونفسي من قبل مجموعة من الطلاب القادمين من محافظة إدلب.
ووفقا للمعلومات التي حصلت عليها “أحوال ميديا” تم احتجاز الطالب داخل حمامات المدرسة لأكثر من ساعتين، قبل أن يتدخل زملاؤه وأحد المعلمين لإنقاذه. وخلال عملية إخراجه، تعرّض لضرب مبرّح أدى إلى كسر في أنفه.
ومما زاد من خطورة الحادثة أنها لم تكن فقط اعتداءا جسديا بل تبعه احتجاج من قبل أهالي الطلاب المعتدين، الذين طالبوا بإخراج الطلاب العلويين من المدرسة، رغم أن غالبية طلاب المدرسة ينتمون إلى الطائفة العلوية.
هذا التصعيد كشف عن هشاشة التعايش داخل بعض المؤسسات التعليمية، وأعاد إلى الواجهة تساؤلات عميقة حول قدرة المدارس على احتضان التنوع وحماية الطلاب من الانزلاق في صراعات الهوية والانتماء.
وفي الوقت الذي يجب أن تكون فيه المؤسسات التعليمية فضاءً آمنًا ومحايدًا يُعزز قيم المواطنة والانتماء الوطني، نراها تتحول إلى مرآة للصراعات الطائفية والمناطقية، وما شهدته مدرسة محمود شحادة لا يمكن اعتباره حادثًا فرديًا معزولًا، بل هو مؤشر على تراكمات اجتماعية وسياسية لم تُعالج بعد، وتنعكس على سلوكيات الأطفال الذين يُفترض أن يكونوا في طور التعلّم والتشكّل، لا في طور التنازع والتصنيف.
لذلك تقع المسؤولية هنا على عدة أطراف:
الكوادر التعليمية التي يجب أن تكون يقظة لأي مؤشرات توتر بين الطلاب، وتعمل على تعزيز ثقافة الحوار والتسامح.
الأهالي الذين ينبغي أن يكونوا قدوة في احترام الآخر، لا أن يكرّسوا الانقسام من خلال مطالبات إقصائية.
الجهات الرسمية التي يجب أن تفتح تحقيقًا شفافًا، وتضمن محاسبة المعتدين، وتعيد التأكيد على أن المدارس ليست بيئة لتصفية الحسابات أو فرض الهيمنة من قبل فئة مذهبية وطائفية على فئة أخرى.
حادثة مدرسة محمود شحادة تطرح ضرورة مراجعة السياسات التربوية، وتكثيف برامج التوعية داخل المدارس، خاصة في المناطق التي تشهد تنوعًا طائفيًا أو مناطقيًا. كما يجب أن يُعاد النظر في آليات التعامل مع النزاعات داخل المدارس، بحيث لا يُترك الأمر للتقديرات الفردية، بل يُعالج ضمن إطار مؤسساتي واضح يضمن حقوق جميع الطلاب.
وما حدث في مدرسة محمود شحادة يجب أن يكون بمثابة جرس إنذار، لا مناسبة للانقسام، فالأطفال ليسوا أدوات في صراعات الكبار، والمدرسة يجب أن تبقى مساحة للعلم، لا ساحة للفرز الطائفي، ما يحتم على سلطة الأمر الواقع القائمة حاليا في سوريا بأن تعمل من أجل منع تغلغل الطائفية بحيث يخيم وحش الطائفية على عقول طلاب سوريا وافكار هؤلاء الطلاب، وبالتالي تتحول سوريا الى نموذج للتطرف المذهبي والطائفي ويصبح قبول الآخر جريمة بنظر رعاع المذاهب والطوائف.



